تُفلت من حين إلى آخر كتب تعلن حالة من الطوارئ وتنبّه العقل العربي أن هناك أمرا يعطّل الخطو عن التّقدّم ولكننا كعرب ألفنا اللامبلاة أو "دعها فإنها مأمورة" ونتجه دوما إلى تعليق اللوم على الجهات الرسمية أو المؤامرة أو.. الأمر يتلق بالقراءة، قد لا تعني شيئا رغم أنها كل شيء، فالشعب القارئ هو الشعب الأكثر وعيا والأقدر على تقرير مصيره وتغيير واقعه.. نقدّم ها هنا قراءة في كتاب وهي منقولة من أحد المواقع وليست قراءة المكتبة، فالشكر موصول لكاتبها وناشرها مع خالص التقدير والاحترام.
صدر مؤخراً عن مركز الراية للتنمية الفكرية بدمشق كتاب "ماذا يقرأ عرب اليوم" لمؤلفه الأستاذ أشرف بكر. والكتاب يتناول بالدراسة والتحليل أزمة الكتاب في عالمنا العربي بوصفه أهم مصادر التلقي والمعرفة، وباعتبار القراءة أهم وسيلة للتعلم والتعليم قديما وحديثا.
والقراءة_ كما يراها المؤلف_عمل رائع جميل..راقٍ يعشقه الإنسان ولا يستطيع تركه إذا داوم عليه، فهي علاقة حب بين الكتاب والقارئ ، علاقة تتوطد مدى الزمن .. لأن الإسلام دعوة إلى العلم وثورة على الجهل والسلبية.
ويستعرض المؤلف واقع أزمة الكتاب والقراءة في مجتمعاتنا العربية مقارنا ذلك بالمجتمعات الغربية التي تتقدم بخطى متسارعة في الاكتشافات العلمية والتقنية ، وتسجل ملايين النسخ من المبيعات للكتب والإصدارات المختلفة.. فما الذي حل بأمة "اقرأ" حتى أصبحت لا تقرأ ؟ يتساءل المؤلف.. وما سر هذه المفارقة بين الواقع الغربي المتقدم ، والعربي المتقهقر ؟
وهل يعود ذلك إلى أن "صناعة الكتاب" تعاني من أزمة حادة في بلداننا العربية، وما تأثير شيوع ثقافة المشافهة على أزمة الكتاب العربي ؟ وما الدور الذي يلعبه الإعلام في واقعنا ؟ ومن الذي يشكل عقل القارئ العربي ؟
وهل ظاهرة "الأكثر مبيعا" التي تم استيرادها من الغرب واقع، أم أننا نبيع الوهم لأنفسنا ؟ ولماذا لا نتحدث عن "الأكثر عمقا وتأثيراً" أم أنها الوصاية التي تمارسها الأنظمة العربية على القارئ والكاتب في آن واحد...؟
أسئلة كثيرة يحاول المؤلف من خلالها تشخيص أزمة الكتاب والقراءة في العالم العربي وانعكاسات ذلك على الأوضاع السياسية والاقتصادية والتنموية بشكل عام على مستوى بلداننا العربية.
ويخلص المؤلف بعد تلك التساؤلات إلى أن حالة النشر في العالم العربي المحاطة برقيب يتمتع بحرية أكبر من الكاتب مزرية ومخزية، وتلك نتيجة منطقية لمصادرة الرأي وسياسة تكميم الأفواه ، ومحاربة الفكر .. بكل ما يعنيه ذلك من قتل للإبداع ، وتجفيف لمنابع الخلق والابتكار. ذلك أن حرية التعبير وحرية التفكير وحرية اختيار الموضوعات وطرق تناولها وإشكالياتها – يقول المؤلف - هي التي يمكن أن تحرك الكتاب من كبوته وتجعله مطلباً قوياً ملحاً لمختلف شرائح المجتمع.
ويقارن المؤلف هذه الصورة الباهتة للكتاب ومكانته في عالمنا العربي بالمكانة والمنزلة التي يحظى بها في المجتمعات الغربية ، حيث يعد الكتاب جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية.
وكتاب "ماذا يقرأ عرب اليوم" يتألف من ثمانية فصول بدأها المؤلف بالحديث عن القراءة : تعريفها وتاريخها ، متناولاً أثرها في التشكيل الفكري والسلوكي للإنسان، ثم مكونات عقل القارئ العربي ، والدور السلبي لمناهج التعليم في صياغة أنماط التفكير العربي وهو ما يعبر عنه المؤلف بالحرب ضد الوعي العربي.
وفي الفصل الرابع يتحدث المؤلف عن "ماذا يقرأ العرب بالوثائق "، حيث يقدم الكاتب هنا العديد من الوثائق الغربية والعربية التي تعكس أزمة القراءة والكتاب في عالمنا العربي.
ويحدد المؤلف في الفصل الخامس منهجية اقتناء الكتاب "كيف تشتري كتابا" قبل أن يتطرق لبعض الحقائق والمواقف ذات الدلالة في تشخيص أزمة القراءة والكتاب على الصعيد العربي ، والتي عبر عنها "بمصادمات ومصارحات" وهو عنوان الفصل السادس. بينما خصص الفصل الأخير للحديث عن الكتب والكتاب الأكثر تأثيرا في العقل العربي من وجهة نظر الكاتب .
وفي الختام حاول المؤلف تلخيص أبرز الأفكار التي تضمنها كتابه والتي من أهمها:
• مهنة النشر في البلاد العربية تعاني من أزمة ثلاثية :
مبدع مؤلف ، وناشر محترف ، وقارئ متلهف.
• قصة العقاب الجماعي الذي نعيشه اليوم وما فيه من هوان وانتكاس يرجعها المؤلف لعوامل منها:
_ الكسل الفكري.
_ الوهن العقلي.
_ وإدبارنا عن تفهم الحياة.
_ الخوارقية والذهنية الهروبية نحو عذاب القبور ، والتفكر بالأموات بديلاً عن ثقافة الحياة.
_انشغال العقل العربي بالمسائل والقضايا التافهة.
ويؤكد المؤلف على العلاقة الترابطية بين الثقافة والتقدم في مختلف المجالات، لأن درجة الاهتمام بالثقافة تمثل انعكاساً حقيقيا للمجتمع ، ومدى وعيه ومستواه المعرفي.
وهذا الوعي _ يقول المؤلف _ هو في الوقت ذاته وعي للذات بقدر ما هو وعي لأجزائها ومظاهرها المختلفة السياسية والاقتصادية.. فالدولة قبل أن تكون قمعاً وإكراهاً هي مفاهيم وتصورات ، والصناعة قبل أن تكون استغلالاً أو استثماراً للجهد ، هي أيضاً نظرية وعلوم وقيم فكرية واجتماعية.. وهكذا الثقافة موجودة في كل نسق أو نشاط.
وبعبارة واحدة.. إن أكثر البلاد تخلفا وتأخرا هي تلك التي خبا فيها بريق الحرف، ونمت فيها عتمة الجهل.
ويعزز المؤلف هذه الفكرة من خلال سرد موقف مشهور لأحد قادة الكيان الصهيوني لخص من خلاله أزمة العالم العربي عندما قال في اجتماع مع مستشاريه: " العرب لا يقرأون.. فما من خطر حقيقي يهدد دولة إسرائيل "
وكتاب " ماذا يقرأ عرب اليوم " جدير بالقراءة والاقتناء ، وهو يمثل إضافة هامة للمكتبة العربية ، وإسهاما جاداً في تسليط الضوء على أزمة الفكر والثقافة في مجتمعاتنا العربية، والتي هي السبب الرئيس لتخلفنا عن ركب الأمم .. وقطار الحضارة.