مالك بن نبي... مذكرات شاهد للقرن
"كان مولدي في الجزائر عام 1905م، أي في زمن كان يمكن فيه الاتصال بالماضي عن طريق آخر من بقي حيًا من شهوده، والإطلال على المستقبل عبر الأوائل من رواده.. هكذا إذن فقد استفدت بامتياز لا غنى عنه لشاهد، حينما ولدت في تلك الفترة ".
هكذا يستهل مالك بن نبي كتابة مذكراته بوصفه شاهدًا للقرن، مُبينًا اتصاله الوثيق بالماضي الأصيل، بماضي الألم الجزائري العربي الإسلامي في نطاقه الجغرافي، وانتماءه للمستقبل “المشرق” الواعد، الذي يتأمل تحقيقه عبر “المصلحين” الجادين، إذن فليس بينه وبين الماضي أي خصومة، وليس بينه وبين المستقبل أي سوء تفاهم، إذ أن الحضارة ومشاكلها تتطلب نظرة شاملة لتاريخ الأمم، يشمل ماضيها وحاضرها ويمتد ليشكل مستقبلها.
عُرف عن المفكر الجزائري مالك بن نبي تبينه لقضايا الحضارة ككل، وهذا ما تجلى عبر إصداراته الفكرية، والنزعة لحل “مشكلات الحضارة” كانت واضحة حتى في كتابه “مذكرات شاهد للقرن”، هذا الكتاب الذي يتناول فيه المفكر مالك بن نبي سيرته الذاتية منذ ولادته وحتى العام 1939م.
خلال مراجعة بن نبي لسجل ذكرياته -ذكريات الطفل ومن ثم الطالب- يستطيع القارئ تلمس التحليل الحضاري لبعض المواقف التي يسردها لنا الكاتب، وخصوصًا تلك التي أعقبها فشل في كثيرٍ من الأحيان، ونجاح في بعضٍ منها، فهو لا يتوقف في تحليله للحدث عند مظهره، أو عند نتيجته، بل يتعدى حسبما أوتي من إدراك كامل لحقيقة الموقف لجميع أوجه المشكلة أو القضية، ومن ثم يُعطينا الخلاصة، بطريقة لا تبعث الملل على نفس القارئ، فهو يستخدم أحيانًا الأسلوب التهكمي الساخر عند حديثه عن تصرفاته وأفعاله، وهو في ذلك لا يُحاول أن يكون الكاتب المثالي، ولكن يُثبت أن النظرة للأمور يجب أن تكون شاملة لجميع أوجهها، كما يجب أن لا تكون مبتورة من سياقها، كي نستطيع أن نعيها ونفهما بالشكل الذي يُعيننا على حلها أو تطبيقها أو تعديلها.
إضغط على الصورة للتحميل