الخنساء كانت إحدى ابرز شواعر العرب في الجاهلية والإسلام، وعدها محمد بن سلام الجمحي الثانية بين أصحاب المراثي بعد متمم بن نويرة وطبقة هؤلاء تلي في تصنيفه الطبقات العشر الأولى. واعترف لها النابغة الذبياني حكم سوق عكاظ بعلو الكعب في الشاعرية، حين أنشدته في أحد المواسم، وقال لها: "والله لولا أن أبا بصير - أي الأعشى- أنشدني آنفا لقلت أنك أشعر الجن والإنس". ويروي ابن قتيبة أن حسان بن ثابت، بعد أن اعترض على حكم النابغة الانف، عاد - بعد أن أنشدته الخنساء- فقال: "ما رأيت ذات مثانة اشعر منك". فقالت له تماضر :"لا والله ولا ذا خصييين".
وتسري المعاناة والأرزاء في حياة الخنساء لتشكل النسخ الذي غذّا شعرها، حيث أصيبت بزوجها فترملت، وبأبيها فذاقت اليتم، كذلك فقدت أخويها، فأظلمت دنياها، ولم تجد في قيثارة شعرها إلا الوتر الباكي، فعزفت عليه، حتى ألفته. ويرقى ديوانها هذا إلى مطلع القرن الثالث للهجرة حتى كان أكثره في الرثاء، وعلى هذا الفن قامت شهرتها في القديم والحديث. ويطالعنا الكتاب برثائها زوجها وأخويها معاوية وصخر، ولعل مراثيها في صخر فاقت سواها شهرة في الدقة وقوة العاطفة. يلقي الكتاب الضوء على الخنساء في مسيرتها وشعرها ويضيء هذه الشاعرية لإدراك أبعادها وطوابعها وجمالها الفني.
هي تماضر بنت عمرو، بن الحرث، بن الشريد، من بطون سليم، وينتهي نسبها الى مضر. و"الخنساء" هو اللقب الذي اشتهرت به، لخنس في انفها. والخنس لغة "تأخر الانف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الارنبة"، مؤنثه الخنساء، وهي صفة مستحبة أكثر ما تكون في الظباء وبقر الوحش. والخنساء أيضا "البقرة الوحشية". ولعل تماضر قد لقبت كذلك، لجمال في انفها وقد عرف عدد من نساء الإسلام بهذا اللقب... (التقديم منقول)