كان المؤرخ والكاتب الأمريكي ديورانت يتمتع بعقل نقدي وفلسفي، وثقافة واسعة وعميقة، وكان رجلا نزيها وموضوعيا، يتحرى الحقيقة، ويحرص عليها ، وكان عالما وأديبا وفيلسوفا وفنانا في آن واحد ولهذا يرى من الواجب في كتابة التاريخ:«الإحاطة بجميع النواحي الاقتصادية والسياسية والقانونية والحربية والأخلاقية والاجتماعية والدينية والتربوية والعلمية والطبية والفلسفية والأدبية والفنية، ولقد بذلنا جهدنا على الدوام في أن نكون بعيدين عن الهوى والتحيز وأن ننظر إلى كل دين وكل ثقافة كما ينظر إليهما أهلهما، ولكنا مع هذا لا ندعي العصمة من الهوى ذلك أن العقل كالجسم سجين في جلده لايستطيع الفكاك منه». وتجلى ذلك كله بوضوح في كتاب قصة الحضارة ومن هنا جاءت روعة وعظمة هذا الكتاب.
يحكى أن ديورانت سئل ذات مرة أن يصف نفسه وعمله فقال الرجل لا أعتبر نفسي مفكرا أو فيسوفا وإنما عاشق لعشاق الحكمة.ولما سئل أن يلخص الحضارة قال:« هي نهر ذو ضفتين يمتلئ أحيانا بدماء الناس الذين يقتلون ويسرقون ويصيحون ويفعلون أشياء يسجلها المؤرخون عادة. ولكننا نجد على الضفتين في الوقت ذاته أناسا لا يحس بهم أحد وهم يبنون البيوت، ويمارسون الحب والجنس، ويربون الأطفال، ويتغنون بالأغاني، وينظمون الشعر، بل ينحتون التماثيل.وقصة الحضارة هي قصة ماحدث على الضفتين.ولكن المؤرخين متشائمون، لأنهم يتجاهلون الضفاف ويتعلقون بالنهر».


إضغط على الصورة للتحميل