" لحظة الخلق الشعري لحظة تختلط فيها اشياء العالم، ويشعر الشاعر انه ينزلق من بين اللاشيء، ولا يدري كيف يهيئها، فلحظة يراها هامدة وفي اللحظة التي تليها يتولاها النشور، وهكذا حتى تصل اللحظة الشعرية الى الانكفاء على ذاتها. حالات الجنون ليست غريبة على العابث مع الشعر، هدوئي الظاهري يتحول في تلك اللحظة الى فوضى يجمعها ويشتتها شاعر لا يدري كيف.."
علي الجندي


وُلد الشاعر علي الجندي في السلمية عام 1928 مع بدايات تفتح المشروع النهضوي العربي، وبدأت تجربته الشعرية بالظهور في الخمسينات مع السنوات الأولى لعهد الاستقلال والبناء، كتب في مجلة «شعر» وأصدر ديوانه الاول «الراية المنكسة» عام 1962 وثار على القصيدة العمودية، وبذلك انضم اسمه إلى قائمة الرواد المؤسسين لتجربة الحداثة الشعرية في سوريا.

بيئته الاجتماعية الأم أتاحت له الإطلاع على التراث الفكري والشعري للمنطقة، ودراسته للفلسفة فتحت أمامه آفاق التجربة الفلسفية والفكرية المعاصرة، فتأثر بالماركسية وبالفكر القومي الاشتراكي وبالفلسفة الوجودية، جذبه الشعر الفرنسي الحديث واغوته تجربة رامبو وبودلير، وكل هذا المخزون الثقافي والمعرفي انسكب جليا في قصائده وشكّل أحد مفاتيحها، وحين بدأت الهزائم تتالى على هذه الأمة وتخبو احلامها، بدا الشاعر ينكفيء ويستشعر هشاشة الكلمة وعجزها.

يطغى الطابع الفلسفي على شعر علي الجندي وتتراءى ملامح تراثية متداخلة بين التاريخ والأسطورة، بين الثابت والمتحول, بين الواقع وما وراء الواقع، فتتكاثف رؤيته وتتعقد ادواته الشعرية كلما توغل في صياغة هواجسه الفكرية ليفتح بوابات الافتراض والتأويل لدى المتلقي دالا بهذا على عمق دراسته الفلسفية ومدى امتلاكه ناصية علم النفس وتمثل كثافة ثقافته الفلسفية لهواجسه بصياغات نصوصه التي يعتمد فيها على مقاربة ذهنية فلسفية مماثلة عند الآخر، فالتأمل والباعث الفلسفي يخلق عنده معايير جدلية لآفاق الوجود، وهذا لا شك يحتاج عزلة تأملية تبدت طقوسها واضحة في نصوص علي الجندي.‏

" وجعه السياسي كان وجعا يوميا وأمام الاتساخ الأخلاقي الذي كان يملأ الحياة من حوله، والذي كان ينجم عن تلوث بيئي سياسي راح يصرّ على نظافة خاصة غير مألوفة» وهذا الفهم الخاص لماهية الحرية في فضاء تغيب منه أبسط الحريات كان مصدرا لتفرد شخصية الشاعر ومولدا لأزماته الوجودية ومحورا أساسيا من محاور تجربته الشعرية." ممدوح عدوان

إضغط على الصورة للتحميل