أبوبكر عبدالقاهر بن عبدالرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار، وُلِدَ وتوفي في جرجان (400 - 471هـ، 1010 - 1078م). تتلمذ على أبي الحسين بن عبدالوارث، ابن أخت أبي علي الفارسي، وكان يحكي عنه كثيرًا، لأنه لم يلق شيخًا مشهورًا في العربية غيره لعدم خروجه من جرجان في طلب العلم. ويُعدّ عبدالقاهر واحدًا من الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية في مجال الدرس اللغوي والبلاغي، إذ تقف مؤلفاته شامخة حتى اليوم أمام أحدث الدراسات اللغوية، ويُعد كتابه دلائل الإعجاز قمة تلك المؤلفات؛ حيث توصل فيه إلى نظريته الشهيرة التي عُرفت باسم نظرية التعليق أو نظرية النظم، التي سبق بها عصره، ومازالت تبهر الباحثين المعاصرين، وتقف نداً قويًا لنظريات اللغويين الغربيين في العصر الحديث.

" تناول عبد القاهر في "الرسالة" تفضيل العرب على غيرهم من سائر أصحاب اللغات الأخرى فقال: "معلومٌ أن سبيلَ الكلام سبيلُ ما يدخله التفاضلُ، وأن التفاضل فيه غايات ينأى بعضها عن بعض، ومنازل يعلو بعضها بعضاً، وأن علمَ ذلك علمٌ يَخُصّ أهله، وأن الأصل والقدوة فيه للعرب، ومن عداهم تَبَعٌ لهم، وقاصر فيه عنهم، وأنه لا يجوز أن يدَّعى للمتأخرين من الخطباء والبلغاء عن زمان النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه الوحي وكان فيه التحدي أنهم زادوا على أولئك الأولين، أو كملوا في علم البلاغة أو تعاطيها لما لم يكملوا له. كيف ونحن نراهم يخملون عنهم أنفسهم، ويبرأون من دعوى المداناة معهم، فضلاً عن الزيادة عليهم. هذا خالد بن صفوان يقول: كيف نُجاريهم، وإنما نحاكيهم؟! أم كيف نُسابقهم، وإنما نجري على ما سبق إلينا من أعراقهم؟! ونرى الجاحظ يدَّعي للعرب الفضل على الأمم كلِّها في الخطابة والبلاغة، ويناظر في ذلك الشعوبية، ويجهلهم ويسفه أحلامهم في إنكارهم ذلك... ".

هذا مع تأكيده أن العرب عجزوا وسلموا بالإعجاز صاغرين. معترفين للقرآن بالفضل والسبق، بالإضافة إلى أن رسول البشرية قد قرّعهم بأنه بشير ونذير، وأن دينه ناسخ لكل الشرائع السابقة، وأنه بذاته الشريفة خاتم النبيين والمرسلين، وحجته في ذلك هذا الكتاب العربي المبين الذي يعرفون ألفاظه، ويفهمون معانيه، ولكنهم لا يقدرون على الإتيان بمثله، ولا بعشر سور منه، ولا بسورة واحدة، ولو جهدوا واجتهدوا، واجتمع معهم الجن وجميع مخلوقات الله من الآدميين." د. مصطفى محمد الفار

إضغط على الصورة للتحميل